كتابة الرواية هو فن حديث نسبيا من فنون الأدب ونقصد بهذا الرواية بمفهومها الحديث من أبطال و احداث وحبكة و مغزى أخلاقي. كانت هناك محاولات كثيرة في الماضي لكتابة الرواية في الثقافات المختلفة ويمكننا أن نذكر الالياذة و الأوديسة لهوميروس في الأدب اليوناني أو ألف ليلة وليلة ويقال أنها مترجمة عن المخطوطات الهندية القديمة أو حتى رواية حي بن يقظان في الأدب العربي والتي يعتبرها البعض هي و المقامات أول بوادئ فن الرواية في الأدب العربي.
تختلف الرواية كثيرا عن القصة فالرواية هي صيغة أكثر تعقيدا و احكاما من القصص البسيطة الموجودة في كل الثقافات المعروفة تقريبا وينبغي للرواية أن تستوفي شروطا معينة لترقى لتعريف الرواية فلا يمكن أن توجد رواية بلا هدف أو أشخاص أو أحداث أو مقدمة أو حبكة درامية ولذلك فإن الرواية ينبغي أن تكون نسيجا محكما في مجملها و أن تترابط بخط عام من أولها لآخرها وقد لا تهدف الرواية في كثيرة من الأحيان للتسلية القصصية بقدر ما تهدف لتسليط الضوء على مشكلة أكبر أو محاولة تغيير واقع حالي.
ظهرت في وطننا العربي طفرة كبيرة في الروايات المكتوبة وتستطيع بسهولة أن تجد الكثير من الأسماء الشابة في عالم الأدب العربي حيث نجح البعض في تثبيت اسمه بقوة في عالم الأدباء و فشلت محاولات الكثير لتصير طي النسيان وعلى الرغم من كثرة المعروض من الأدب العربي على أرفف المكتبات إلا أن الهدف الأول من الرواية ليس تحقيق مبيعات كبرى ولا صنع اسم براق بين الأدباء المعاصرين ولا حتى الفوز بجائزة نوبل في الأدب ولكن الرواية يجب أن تكون نابعة من داخل الكاتب للتعبير عن مشاعر دفينة و قيم مختلفة عن السائد وتضيف إليه وفي رأيي الشخصي فإني لا أحب أي رواية لم تغير شيئا في داخلي بعد قراءتها. الرواية في رأيي يجب أن تمثل قيمة مضافة للقارئ و الكاتب على حد سواء ويجب أن يستفيد القارئ من الرواية على الجانب الروحي أو المعرفي أو النفسي أو أي اضافة أو تغيير في قيم القارئ الثابتة ولو كان تغييرا بسيطا فلولا هذا لصارت الرواية مجرد قصة أخرى هادفة للتسلية وسيتم نسيانها بسهولة.
المعضلة الكبرى في معظم الأعمال الأدبية الشابة في الوطن العربي هو أنها بالاضافة لأنها لا تقدم اضافة روحية للقارئ فانها قد لا تقدم حتى جانب التسلية و المتعة وقد تجعل بعض الروايات الغثة القارئ مجبرا على تركها أو إكراه نفسه على اكمالها لتعويض خسارته المادية بأي طريقة وهي وضع مؤسف ومزري للغاية وينبغي للكاتب أن يتنبه لمشاعر القارئ ونفسيته و ان يستطيع التحكم في تدفق الاحداث و الحبكة للابقاء على الرواية متقدة حتى النهاية.
هناك الكثير من النقاط التي ينبغي استيفاؤها في الرواية ولكننا سنبدأ بالتعريف الكلاسيكي للعوامل المكونة للرواية. ينبغي للرواية أن تحتوي على مقدمة و حبكة و خاتمة، هذه هي أبسط صور الرواية و أي رواية لا تستوفي النقاط الثلاث فقد فقدت كونها رواية من الأساس. لا تستطيع بناء رواية بدون تقديم للأحداث وبناء للشخصيات و البيئة المحيطة بهم ولا توجد رواية بدون نوع ما من انواع الحبكة أيا كان نوع الرواية ونوع الحبكة نفسها وينبغي للرواية أن تنتهي بخاتمة وحتى إن كانت نهاية مفتوحة فإنها يجب أن تحتوي على نوع من أنواع النهايات بأي شكل.
لا توجد وصفة ذهبية لكتابة رواية جيدة ويختلف أسلوب كتابة الرواية من كاتب لآخر ومهما قمت بمحاولات لكتابة الرواية سيتعين عليك في النهاية التمتع ببعض الموهبة حتى تستطيع انتاج محتوى جيد و متفرد لتستطيع اضافة اسمك لعالم الأدباء. سنشرح لك في التالي بعض المكونات الأساسية للرواية الحديثة مع بعض النصائح الخاصة لانتاج رواية جيدة:
1- المخطط العام:
قبل كتابة الرواية عليك البدء في تكوين مخطط عام للرواية أو الخط العام الذي ستسير عليه الرواية. وجود خط عام للرواية سيساعدك على الابقاء على الموضوع و الهدف العام للرواية طوال الوقت وعند انتهائك من المخطط العام للرواية عليك مراجعته عدة مرات والتأكد من جودة المخطط العام حتى لا تضيع وقتك سدى فيما بعد فقد تستغرق كتابة الرواية الواحدة عدة شهور أو سنين طويلة. أنت لا تريد بالتأكيد تضييع عمرك في رواية ذات محتوى رديء و مهلهل وعليك التأكد من احكام الرواية تماما قبل البدء فيها.
2- الشخصيات:
شخصيات الرواية هي أهم مكون على الاطلاق في الرواية وكلما ازداد عمق الشخصية ازدادت متعة الرواية بشكل عام. يجب عليك امضاء بعض الوقت في التخطط لشخصيات الرواية و أحوالهم النفسية ومشاكلهم الخاصة و علاقتهم بالوسط المحيط وطريقة تفاعلهم معه. يمكنك استقاء شخصيات الرواية من الوسط المحيط حولك عن طريق نظرتك لشخصيات تعرفها في الحقيقة و تكوين انطباع شخصي عن هؤلاء الأشخاص، عليك التفكر في دوافعهم و عللهم النفسية و أهدافهم في الحياة و طريقة تعاملهم مع المشاكل المحيطة وطريقة التصرف في مواقف معينة. جميع شخصيات الرواية يجب أن تكون ملعونة بطريقة ما، لا يوجد أبطال في الروايات بدون عيوب و مشاكل نفسية ويجب أن يعاني الجميع من شيء ما، أي شيء و إلا صارت الشخصية عبئا على الرواية. حتى أبطال الرواية يجب أن يعانوا من بعض العلل حتى في أتفه الروايات حبكة، (سوبرمان) يخشى عنصر الكريبتونايت و (باتمان) يعاني من فقدان والديه وهو طفل في ظروف غامضة، الكابتن (ايهاب) يعاني من جنون العظمة وجرح شديد في كرامته سببه الحوت الضخم (موبي ديك). (رفعت اسماعيل) يعاني من وحدة قاسية ومشاكل حية لا حصر لها وحس فكاهي رائع. الخلاصة أنه لا يوجد ولا يجب أن يوجد أشخاص طبيعيون في الرواية.
3- المكان و الزمان:
كل رواية يجب أن تدور في مكان و زمان محددين، يجب أن تتناسب أحداث الرواية مع المكان و الزمان التي تجري فيه الرسالة ولا يجب أن يقع الكاتب في مغالطات منطقية جراء اختيار مكان أو زمان خاطئين لأحداث الرواية. عليك اختيار الوسط المناسب لحدوث الرواية، هناك مكان مناسب لحدوث جريمة ما ومكان آخر لحدوث قصة حب وزمان مناسب لتسلسل الأحداث. لا يجب أن تحدث جميع أحداث روايتك في واقعك المحيط ولا زمانك الحالي، قد لا تكون البيئة التي تحيا فيها مناسبة لأحداث روايتك وهي غلطة قاتلة يقع فيها معظم الروائيين الشباب. لا يوجد في مصر قتلة متسلسلين ولا جريمة منظمة بطريقة المافيا الايطالية مثلا، ربما كانت حواديت الجن و السحر أنسب للوطن العربي، لا يمكنك أن تكتب رواية خيال علمي في زمننا الحالي مثلا وفي الوطن العربي فلا توجد أي بادرة أمل علمية تلوح في الأفق ولا توجد مراكز بحثية عربية قوية. الخلاصة أن هناك خط أحمر من احترام عقلية القارئ لا يجب أن تتخطاه فالقارئ قد يتقبل أفكار خيالية ولكن عن طريق قيم و أسس واقعية
4- المنظور:
عليك اختيار منظور جيد للرواية و الراوي فهل تجري الأحداث على لسان شخص ثالث (منظور الشخص الثالث) أم أن الرواية تجري من منظور الشخص الأول بحيث يكون أسلوب السرد قائما على أحداث آنية بين الأشخاص المشاركين. لا يوجد منظور مفضل عن الآخر ولكن عليك اتقان الكتابة بأحد الأسلوبين على الأقل.
5- استخدم الهوامش:
الهوامش مفيدة في كل مرحلة من مراحل كتابة الرواية وعليك أن لا تخجل من العودة لمراحل متقدمة من الرواية لتعديل أحد الهوامش أو اضافة أحد النصوص أو حتى القفز لصفحات لم تكتب بعد. لا تبخل على نفسك بالتفاصيل الصغيرة فهذه التفاصيل تعطي الرواية نكهة مميزة وتثريها بكل تأكيد بالاضافة إلى أنه من الجيد اعادة تقييم النص المكتوب مسبقا وتعديله لتقديمه بصورة أفضل.
6- اهتم بالحبكة:
الحبكة أو المشكلة هي أساس التشويق في الرواية ويجب أن لا تنكشف مبكرا. كلما ازداد الكاتب حرفية كلما ازدادت الحبكة في قوتها وتشويقها وبالتالي زيادة عنصر التشويق لدى القارئ ودفعه لانهاء الرواية واستمتاعه بها. الحبكة قد تكون في هيئة سر يتم كشفه في النهاية أو حتى سر تم كشفه في البداية ثم تمضي في روايتك لايضاح أسباب وملابسات المواقف التي أدت لحدوثه. قد تكون الحبكة مشكلة نفسية يعاني منها البطل ويستطيع التغلب عليها في النهاية أو معضلة أخلاقية يتم تفسيرها في النهاية، لا يهم أي نوع من الحبكة في روايتك ولكن الأهم هم مدى العمق و الاتقان و التعمية عن القارئ حتى يصل للنهاية.
7- اخرج عن الإطار المرسوم :
على عكس النصيحة الأولى برسم اطار متقن للرواية ككل فإن وجود الإطار الأولي يجب أن لا يمنع الكاتب من الخروج عن المخطط المرسوم من أجل مزيد من الابداع. قد تكتشف مسارا أفضل للرواية أثناء كتابتها وتقرر تغيير كل شيء في المنتصف، عليك أن تترك العنان لابداعك بدلا عن تقييد نفسك في الاطار المسبق والذي قد يدفعك في بعض الأحيان للتخلي عن أحداث ممتعة تخطر إليك في أثناء الكتابة. عليك المفاضلة طوال الوقت بين الاطار المرسوم و بين الأفكار الجديدة التي تخطر لك فعليك إنهاء الرواية في آخر الامر على كل حال.
7- اكتب فيما تعرف:
قد تكون النصيحة الأكثر ثيوعا في عالم الأدب هي أن تكتب فيما تعرف بالفعل وستجيد الكتابة حتما في مجال تعرف عنه الكثير وستضمن أحداثا متماسكة و رواية أسهل في الكتابة وربما كان ما تعرفه غير تقليدي بالفعل كأن تكون لك خبرة طبية في مجال ما أو خبرة بعلوم الفلك و الفضاء ولكنك حينها ستحصر نفسك في نوع من الأدب قد لا تستطيع مغادرته لاحقا. النصيحة الأفضل هي التنويع في مجالات الكتابة وفتح آفاق جديدة لم تطرق من قبل ولكن عند الخوض في مجال لا تعرف عنه الكثير عليك البحث المتعمق وتحري المعلومة التي تقدمها للقارئ وسيأخذ هذا حتما بعضا من وقتك الثمين الذي ستنفقه في القراءة قبل الكتابة ولكنك لن تندم في نهاية الأمر وستستطيع تقديم مادة مشوقة للقارئ قد لا عرف عنها الكثير.
9- التزم بموعد التسليم:
لا يجب عليك ترك توقيت الكتابة لحين ياتيك الالهام ويجب عليك تعيين وقت معين تستطيع فيه انهاء العمل والتزم بجدول الكتابة اليومي، عليك ممارسة الكتابة كل يوم حتى إن لم تحس بأن لديك الكثير من الابداع لتقدمه فابداع قليل أفضل من لا شيء على كل حال وعملية الكتابة نفسها تفتح آفاق الابداع أثناء القيام بها وقد تخطر لك العديد من الخواطر أثناء ممارستك للكتابة. ليس عليك امضاء عمرك كله تكتب رواية واحدة وليس عليك كذلك الاطالة و الاطناب في كتابة محتوى لا يحتمل الاطالة.
10- تخير قارئك المميز:
القارئ المميز هو صديق أو زوجة أو أي شخص يمكنك الاعتماد عليه في قراءة روايتك أولا لإعطائك انطباعا مبدئيا عن عملك الجديد، تخير القارء المميز جيدا واعتمد على النقد البناء في تعديل واعادة صياغة عملك إذا لزم الأمر. بالطبع يجب أن تتوافر في القارئ المميز العديد من الصفات مثل توفر الوقت و الارادة لقراءة أعمالك و أيضا المعرفة الأدبية التي تجعله اهلا لابداء الرأي الأدبي وأيضا يجب أن يتوافر لديه الحس النقدي لتوجيه سهام النقد الأدبي لعملك الخاص بموضوعية وبعيدا عن التحيز و الانبهار و الاطراء المبالغ فيه.
وفي النهاية علينا أن نقول أن الكتابة هي موهبة يجب أن يتم صقلها و كتابة الرواية فن يفعله الكثير ولا يتقنه سوى القلة وعليك أن تسعى لاتقانه حتى تستطيع الانتشار بأعمالك وبناء قاعدة جماهيرية جيدة من قرائك المخلصين.
1 تعليقات
شكرا❤❤
ردحذفشـاركـنا رأيك